الخميس، 15 يناير 2015

قصة تأسيس مطاعم ماكدونادز


سوف نتحدث اليوم عن قصة صانع نجاح سلسلة محلات ماكدونالدز، الأمريكي رايموند (راي) كروك Ray Krocالذي جاء مولده في عام 1902 في شيكاجو بولاية إلينوي، ولأنه كان يفضل العيش في أحلامه لا قراءة الكتب والاهتمام بدروسه، فلم يكن غريبا عليه هجرانه لمقاعد الدراسة في المرحلة الثانوية.

 حين بلغ 15 سنة، كانت الحرب العالمية الأولى مشتعلة، ولم يجد راي سوى أن يكذب بخصوص سنه الحقيقي لكي يحصل على وظيفة سائق سيارة إسعاف حربية، لكنه حين ذهب فعليا ليحصل على تدريبه لهذه الوظيفة، انتهت الحرب وعاد خالي الوفاض. مستمرا في رحلة البحث عن وظيفة أو عمل، بدأ راي تنمية مهاراته في العزف على البيانو، حتى حصل على وظيفة عازف في إذاعة راديو محلية جعلته يعزف ليلا.


وأما أثناء النهار، فحصل راي على وظيفة بائع أكواب ورقية في شركة ليلي تيوليب كب، وفيها حيث أثبت كفاءة بارعة ورغبة عارمة في العمل بجهد حتى أصبح أفضل بائع في الشركة، وهناك تعرف على إيرل برينس، تاجر وعصامي ناجح، اخترع آلة لصب المشروبات ومزجها معا، وسجل اختراعه هذا وبدأ يبيعه في أرجاء الولايات المتحدة الأمريكية.

 وعمره 37 سنة، أقنع بطلنا راي صديقه إيرل أن يبيعه حقوق استغلال منتجه هذا، ليستقيل راي بعدها من عمله، ويقضي 17 عاما من عمره بعدها في بيع الأكواب الورقية وآلة صب المشروبات هذه، في مختلف ربوع الولايات الأمريكية.

 

 

عمل في الليل وفي النهار

مستمرا في رحلة البحث عن وظيفة أو عمل، بدأ راي تنمية مهاراته في العزف على البيانو، حتى حصل على وظيفة عازف في إذاعة راديو محلية جعلته يعزف ليلا. وأما أثناء النهار، فحصل راي على وظيفة بائع أكواب ورقية في شركة ليلي تيوليب كب، حيث أثبت كفاءة بارعة ورغبة عارمة في العمل بجهد حتى أصبح أفضل بائع في الشركة، وهناك تعرف على إيرل برينس، تاجر ومخترع وعصامي ناجح، اخترع آلة صب المشروبات ومزجها معا، وسجل اختراعه هذا وبدأ يبيعه في أرجاء الولايات المتحدة الأمريكية.

 وعمره 37 سنة، أقنع راي إيرل أن يبيعه حقوق استغلال منتجه هذا، واستقال راي بعدها من عمله، ليقضي 17 عاما بعدها في بيع الأكواب الورقية وآلة صب المشروبات هذه، في مختلف ربوع الولايات الأمريكية.

 

 

باب ينغلق لينفتح آخر

بعدها بدأ راي يعاني من تراجع مستمر في مبيعاته، إذ بدأ الناس يزهدون في المشروبات التي تخرج من ماكيناته، رغم ذلك لاحظ راي أن الأخوين ديك (ريتشارد) و ماك (موريس) ماكدونالد هما من أكبر عملائه المستمرين في الشراء منه، خاصة حين طلبا شراء ثمان ماكينات صب المشروبات دفعة واحدة من أجل سلسلة مطاعمهما في كاليفورنيا الأمر الذي أثار فضوله، ولذا سافر للقاء الأخوين في عام 1954.


هناك لاحظ راي تطبيق مبدأ الخدمة الذاتية من العملاء، وعدم وجود طاولات أو مقاعد للجلوس، وتركيز الأخوين على طهي وتجهيز وبيع الشطائر والساندويتشات وشرائح البطاطس والمشروبات الباردة بشكل سريع وتقديمها على أطباق ورقية، بطريقة تشبه كثيرا خط تصنيع وتجميع السيارات، وهي الفكرة التي اقتبسها الأخوان من هنري فورد الشهير مؤسس شركة فورد لتصنيع السيارات، لكن الأهم من كل ذلك، لاحظ راي كفاءة الإدارة التي جعلت هذه الخدمات تقدم بسرعة وبجودة مقبولة وفي زمن قليل، الأمر الذي لم يكن معتادا بكثرة وقتها، لقد شاهد راي شيئا لم يره من قبل، ووجده شيئا يحتاجه العالم كله.

 

 

بعض الشجاعة لكسر الملل

لشعوره بالملل من وظيفته ومن عمله، ولرغبة جارفة داخله لإدخال تغيير على حياته، ولاستغلال فرص التوسع التي لمحها في مطاعم الأخوين ماكدونالد، قرر راي أن يخطو الخطوة الجريئة. لم يكن راي في أفضل حالاته وقتها، حتى أنه على المستوى الصحي كان يعاني من مرض السكر / السكري واستأصل الأطباء مرارته وغدته الدرقية، وعانى من التهاب المفاصل، لكنه كان واثقا من أن مستقبله سيتغير للأفضل.

عرض راي على الأخوين ماكدونالد فكرته، فقد كان واثقا من نجاح فكرة توسعة نشاط سلسلة المطاعم لتغطي الولايات المتحدة كلها ومن بعدها العالم كله.

 حين سأله الأخوان ومن الشخص القادرة على إدارة توسعة نشاطهما بهذا القدر، أجابهما وماذا عني؟ كان الأخوان ماكدونالد قد وضعا أسس صناعة الطعام السريع، لكن نشر هذه الأسس كان بحاجة إلى شخصية فذة ساقاها القدر إليهما، وكان راي كروك لها، وهكذا حصل راي على الحقوق الحصرية من الأخوين.

الطريف أنه في هذا الوقت كان راي كروك قد تعرف على والت ديزني، وكان الأخير لا يزال يبني مدينة الأحلام ديزني لاند، وراسله راي طالبا منه السماح له بافتتاح مطاعم ماكدونالدز في مدينته الناشئة، لكن رسالته ذهبت دون رد، وعوضا عن شعوره بالمرارة، استمر راي في مخاطبة جميع الشركاء الذين بدوا الحل الأمثل لاستضافة مطاعم ماكدونالدز.

 

 

بداية الفرانشايز، بداية ماكدونالدز


في مارس 1955 أنشأ راي كروك شركة أنظمة ماكدونالدز، لتتحول إلى مؤسسة ماكدونالدز بعدها بخمس سنوات، وحصل على حق الفرنشايز Franchise (فرنشايز هو تعاقد تجاري بين طرفين، يعير علي أساسه الطرف الأول (مانح الامتياز) اسمه التجاري ونظام عمله للطرف الثاني المستفيد من التعاقد مقابل نسبة من المبيعات، ويحقق هذا النمط من التعاقد مزايا عديدة أكثر من التراخيص والتوكيلات التجارية التي يقتصر العمل فيها علي توزيع السلع التي أنتجتها الشركة الأم) وافتتح أول مطعم ماكدونالدز في ديس بلينس Des Plaines في أحياء مدينة شيكاجو في أبريل 1955 واستمر في التوسع حتى أصبحت سلسلة محلات ماكدونالدز تضم أكثر من 200 مطعم في عام 1960.


في بداية بيع الفرنشايز، كان راي يحصل على 1.9% من إجمالي مبيعات المطعم الذي يحمل اسم ماكدونالدز، يذهب نصفها إلى الأخوين ماكدونالد. في أول سنة، وجد راي أنه بالكاد يحصل على عائد يغطي مصاريفه.

 

 

الأرباح الكبيرة تأتي من العقارات

بعدها قابل راي العبقري المالي هاري سونينبورن، والذي أرشده إلى كيفية صنع الأرباح، ليس من بيع البرجر، بل الأراضي.
أسس راي شركة عقارية لبيع وتأجير الأراضي، تؤجر الأراضي لمن يريد الحصول على حق الفرنشايز من مطاعم ماكدونالدز، وكان على هؤلاء إما دفع الإيجار ، أو 1.9% من إجمالي المبيعات، أيهما أكبر.

 بعدها بدأت المشاكل تدب بين راي والأخوين ماكدونالد، إذ أراد الأول تغيير أشياء لم يوافق عليها الأخوان، ولذا في عام 1961 اشترى راي النشاط كله من الأخوين ماكدونالد مقابل 2.7 مليون دولار، وأصبح متحكما في جميع أوجه النشاط وإدارته.

كان راي كروك عنيفا مع المنافسين، ظهر ذلك واضحا من البداية حين رفض الأخوان ماكدونالد بيع محلهما الأول له (والذي كان يحمل اسم The Big M لأنهما باعا حقوق استغلال الاسم)، فما كان منه إلا وافتتح مطعما مقابلا لهم ونافسهم بقوة مميتة حتى اضطرا في النهاية لقبول عرضه بشراء مطعمهما.
عن ذلك يقول راي إنها الطريقة الأمريكية في المنافسة، حيث البقاء للأقوى و حسب. الجدير بالذكر أن راي وضع دليلا لطريقة عمل مطاعم ماكدونالدز، وضع فيها الوزن اللازم لكل شريحة برجر، ومقاس كل شريحة بطاطس، ومقدار الكاتشيب والماستردة وشرائح البصل المقدمة، وكيفية تنظيف المطعم.
 في عام 1961 كذلك افتتح راي مركز تدريب لطريقة إدارة مطاعم ماكدونالدز، ليصبح اسمه فيما بعد جامعة الهامبورجر والتي تعطي درجتها العلمية في علوم الهامبورجر والبطاطس الفرنسية!

 

المليار الأول

في عام 1963 بلغ عدد مطاعم ماكدونالدز أكثر من 500 مطعم، قدمت أكثر من مليار سندويتش / شطيرة، وبدأ المهرج الشهير رونالد ماكدونالد يروج لمحلات ماكدونالدز، في حملة تسويقية شاملة كاسحة ساحقة، بدأت بظهوره في إعلانات التليفزيون في عام 1965، حتى أنه وفي خلال ست سنوات من هذه الحملة التسويقية، كان 96% من أطفال أمريكا يعرفون هذا المهرج والمطعم الذي يروج له، أكثر من نسبة أولئك الذين كانوا يعرفون اسم الرئيس الأمريكي وقتها.

كذلك في عام 1965 طرح راي كروك أسهم الشركة في البورصة، لتكون أول شركة طعام سريع تطرح أسهمها في البورصة الأمريكية، الأمر الذي وفر له سيولة مالية كبيرة ساعدته على الاستمرار في التوسع والانتشار. كان سعر السهم حين طرحه لأول مرة 22 دولار، ليصل خلال أسابيع إلى 49 دولار.

في عام 1972 كانت نسبة محلات ماكدونالدز إلى عدد سكان الولايات المتحدة هي محل واحد لكل 90 ألف نسمة، لكن راي نقل مطاعمه إلى خارج أمريكا في هذا العام، بداية بانجلترا ونهاية بكل دول العالم تقريبا.
 (حين وجد راي أن نطق اسم ماكدونالدز صعبا في اليابان، وافق على استبداله باسم ماكودنالدو). بداية من عام 1968، عهد راي بغالبية مهامه اليومية إلى فريد تيرنر، وبدأ هو يراقب ويتابع طريقة عمل إمبراطوريته من بعيد وعن كثب، واستمر يبحث عن فرص استثمارية وتوسعية، وأخذ يسافر خارج أمريكا ليزور محلات ماكدونالدز حول العالم دون سابق إنذار.

في عام 1974 تقاعد راي كروك من إدارة الشركة، مع بقائه في مقاعد مجلس الإدارة، حتى مات في عام 1984 جراء فشل وقصور قلبه، عن عُمر ناهز 81 سنة. الجدير بالذكر هنا هو أن راي كان له مشاريع جانبية لم تنجح ولم نسمع عنها، لكن هذه الإخفاقات لم تقض عليه، بل جعلته يشعر بسعادة وتقدير أكبر لكل نجاح يحققه.


لم يخترع راي كروك ساندويتش الهامبورجر (لاحظ أن “هام” هنا هي اختصار لاسم مدينة هامبورج الألمانية، وليس لحم الخنزير، هذا الاعتقاد العام العربي ليس صحيحا)، لكنه أخذ هذا المبدأ ونشره في العالم كله. أخذ راي مطعما وصناعة تدر القليل، وتركها تدر البلايين والمليارات، عبر الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة، وعبر التسويق على نطاق واسع جدا، وعبر تكريس حياته كلها لتحقيق ذلك الأمر.


لم يكن راي كروك مؤسس ماكدونالدز مهتما فقط بمجرد بيع حقوق الفرنشايز لصنع بعض الشطائر والبرجر، بل كان يحرص بشدة على تقديم مستوى خدمة مرتفع وتجربة تناول طعام مريحة وهادئة ومبهجة. كان راي يهتم بطريقة تنظيم كل مطعم، وبنظافة ساحة صف سيارات نزلاء المطعم، وبعدد قطع المخللات المقدمة، وأن يعمل في كل مطعم عاملون يقطنون قريبا منه، ليكونوا على دراية أفضل باحتياجات زوار المطعم، وأن يكون مستوى خدمة مطعم ماكدونالد في الشرق مساوية تماما لتلك المقدمة في أي مطعم آخر في الغرب.

 

الشاهد من القصة:

عدم إكمال التعليم التقليدي ليس حكما نهائيا بفشل الفرد في بقية حياته، وحمل الشهادات الجامعية ليس شرطا للنجاح. شرط النجاح هو الرغبة الشديدة في النجاح، والبحث المستمر والدائم عن الفرص ما دام القلب ينبض.
قد يتأخر النجاح حتى بعد بلوغك الخمسين من عمرك، ما يهم هو أن تكون مستعدا له حين تأتي فرصته.
حين بدأ عمل راي في بيع آلات مزج المشروبات ينكمش، ساعده ذلك على ملاحظة مطاعم الأخوين ماكدونالد. عندما يحدث لك الشيء ذاته، ابحث عما تريدك السماء أن تعثر عليه واستغله. لا تلعن الظلام.
للنجاح شرطان: الأول أن تكون في المكان المناسب في الوقت المناسب، والثاني أن تستفيد من ذلك.

على الجانب:
في الصورة المرفقة كتبت مؤسس ماكدونالدز، وسيقول قائل، بل أسسها الأخوين، وأرد عليه: بل هما فقط وضعا الاسم، بينما راي هو من أخذ على عاتقه جعلها سلسلة محلات عالمية ناجحة، وهذا يمنحه عندي لقب المؤسس!





بقلم رؤوف شبابيك

هناك 6 تعليقات: